ذكرَيَات .. جِـدَاريّة



تدويناتٌ سريعَة .. باتت على أصباغ جدران الحَارة ..
بألوانها المختلفة ، السوداء والحمراء والزرقاء .. وربما البيضاء !
يكتبون مشاعرهم بعجلةٍ تُخفيهم عن أعينِ البشر ..
ربما تتعثر المعاني ، وتختلط الأحرف ، وتُنسى نقطة ..
وقد ينثرون ألوانهم تحت الدجى ، تحت حرارة الشمس وسمائمها ، تحت المَطر ..

لم تترك تلك الألوان إلا أثر المشاعر على قلوبنا ..
نعم إنها أشبه بالجنونِ ، جنون البشر عندما يهيمون على تقبيل الجدران ..
لكنه عمل منسقٌ تنسيقاً رُوحيّاً يَعبث بقلبِ المقصودِ ..
وإن لم يكن هوَ ! .. فإن هذه الذكريات تعبث بكل من سوّلت له مشاعره ورمته في بحر الحُب ! ..

نزل من سيارة صاحبه ، رجّ قلمه الخاص بعد أن تلثم ليُخفي معالم وجهه ..
لا يدري أنه يُخفي مشاعره ، وخواطره ، ويُخفي حقيقة قلبه ..
رفع أكمامه ومد يده من جهة اليمينِ وكتَب :
لا تسألوني وش اللي سيّر ايديني .. على جدار الحواري بأحرُفٍ عجلَه ! ..
التفتَ وبسرعةٍ مجنونة ركب وسارا ..
صدى السيارة يبتعد .. حتى تلاشَت ..

لن نسألك لمَ كتبت هذا البيتَ ورحلت ، ولا ما هي الأسباب .. ولا أي شيء ..
لأنك ببيتك اليتيم الوحيد .. الذي لفظته لنا هُنا وهرَبت ! تركت لنا أشياء كثيرة ..
تخبرنا أنكَ حَزين ، متألم ، هناك أمر خلف تلك الكتابة ، كتبتها وأنت خائف من أعيننا ..
تريد أن تُوقفَ عين ذاك القلب المشتاق ، ربما تكون تسلقت الأضلاع الشائكة .. !
زرعت قنابل على قلوبهم .. والمؤكد أنك جعلتني أنشئ ورقةً كاملة عنك أيها الأديب المجهول !

عبثوا بألوان الحارة ، وساروا على زخارفها بأقلامهم المجنونة ، وكتبوا حتى كُتبوا ..
حتى كُتبوا ضمن الذين ينتظرون الساعة الثانية ليلاً .. ليكتبوا مشاعرهم بأسلوبٍ غير حضاريّ ..
هؤلاء .. عندما يرمون تلك اللفافة التي تخفيهم .. ويرمون تلك الأصباغ النافخة !
ويتركون رفع الأكمام .. ولا يدفعون سيارتهم بغضبٍ مُسلّي !
ويجلسون على كُرسيٍ وطاولة يسيرة ، قد تكون بالية ، ما بها ما يُوقف ثباتها !
ويضعون أمامهم ورقة وقلم .. ثم يرفعون أيديهم ليضعوها بكل هدوء !
سينسجون لنا روايات عظيمة ، وقصائد شامخة ، وأبيات يتيمة ومؤلمة وموجعة ..
سيخرجون لنا بلونٍ من ألوان الأدب العربي الحاضر ..
سيناقشون الحب وربما يشتمونه بأسلوبهم الذين يرون ..
سيُقوّمهم الحَرف العربي ، ويزين أفكارهم ، ويدافعون عن الفضيلة ..
سيخبرنا ذاك الشاعر المجهول .. لماذا كتب ؟! ، ولماذا اتسخ الجدار من يديهِ ؟! ..
وهل يملك غير ذاك البيت ؟ .. وما هو الجَديد ؟ ..
أعتقد أنه سيقول :
سأصدر كتاباً بعنوان : ذكريات .. جدارية !

تملكون لوحة مفاتيح ، بأسلوبٍ حضاري ، بفكرٍ هادئ ، قرب الساعة الثانية صباحاً ..
ألوانها متعددة ، وخطوطها متناسقة ، وزخارفها شتى ..
فماذا ستكتبون ؟



د / ماسنجر



10 التعليقات:

عبدالعزيز العريني يقول...

مذهل أنت يا سلمان :) .!
واللهِ رائعة جداً تلك الحروف التي نسجتها ..
ولعلي أكتب :
ربنا اغفرلنا وارحمنا يا رحيم ..
ذنوبنا عظمت .. والذنب أغرقنا ..
ياربي إن الموت .. بدا يحلق حولنا ..
اغفرلنا .. اغفرلنا .. اغفرلنا ..

د / ماسنجر يقول...

* عبدالعزيز العريني ..

حياك الله والروعة في حضورك وإضافتك ..
اللهم آمين ..

asAb يقول...

مثلما قال دكتور سلمان العودة ..
كسر الروتين من أهم أسباب الإلهام ..

لعلَّ الكتابة الجدارية نوع من أنواع كسر الروتين ليأتي الإلهام مثلما أُلهمتَ أنت هنا لكتابة هذا المقال الأدبي الرائع ..

وددتُ لو أستطيع أن أكون شجاعة كفاية لأكتب على الجدار ..

لو وقف العالم كله والكواكب والشمس بعظمها ضدك بوقف أنا قبالك ،، وبعطيهم ظهري ،، وبابتسم لك .. : )

و يا رب إرحمنا ..

mOOn blOOm
^_^

فــجــر يقول...

د/. ماسنجر

خطي قلمك الذهبي على صفحات النت

سلمت هذه الانامل وصاحبها...


الكتابة على الجدران وسيلة لتوصيل مابدخل الشخص ويراها العالم اللي حوله ويرمي به على هذا الجدار المتهالك حتى يشعر بما يدور في قلبه او عقلة....

اكتب على الجدران ....

قلبي حزين

وساموت حزينه

د / ماسنجر يقول...

* مون بلوم ..

صدق الدكتور سلمان العودة ..
هؤلاء كسروه ولكن كسرهم هو لطريقة سلبية .. إلا أنكِ لو دققت قليلاً وجدتِ أن تلك الطريقة إيجابية لو استخدمت كما تفضلنا في الأعلى ..

حياك الله وشكراً على الثناء ..

د / ماسنجر يقول...

* فـجـر ..


أهلاً وسهلاً بك أيتها المتابعة ..
ثناؤك يشجعني كثيراً .. فأشكرك عليه ..
مابال الحزن يعتلي حياتك ! الفظيه بعيداً وتجردي منه ..
موفقة أينما كنت وشكراً على الحضُور ..

غير معرف يقول...

إنه الأدب الرشيق .. ( الرشيق ) عند الثانية صباحاً ..! وقد يكون عند ( الواحدة ) ! ..
لقد خط أحد الأدباء المعاصرين على جدار ذكريات ذي ندب و نتوءات وقد تلون بـ ميك أب أهل الحب والجوى – إلياذة في عبارة واحدة : " إنت كيف ؟ " ..
لا زالت تستوقفني ( شقيقة ) العبارة : " أحبك واسهر أيام وليالي " .. والعبوة الناسفة : " غيّروكـ " ..
هي نسيم قبل الفجر تشكل في زفرات أخرجها ذاك الأديب اليعربي الكظيم الذي تلثم طيلة نهاره بالابتسامة في الليل بـ ( ماي فاير ) أو ( العقل ) ! .. زفر بها ألواناً ناء بها كلكل الحائط المُبكي ..!
إنه لا يعرف جمال من تحت ذلك اللثام الصباحي إلا من بهت بالعبارة .. ولا يعرف سحرها من لا يعرف الكتابة في السحَر !! ولا يعرف من في عينيها من لا يقتنص عين ذي اللثام ..

د/ ماسنجر .. " إنت كيف " !

عزيزي .. أنا قابع في انتظار الكتاب وإلا سأتلثم في السحر ..!


غيث

د / ماسنجر يقول...

* غيـث ..

صدقت .. لا يعرف سحرها إلا من عرف الكتابة في السحَر ..
إني أكتب بعد الثانية غالباً .. فهل تظن أن كتاباتي جدارية .. ؟

يجهلون تلك الكتابات ، ويرونها تقدم غير حضاري ..
فلك الله يا فكر غيث إن لطخت أعيننا ورسمت بحبره حروفاً جدارية لا تُنسى !


حُييتَ ..

غير معرف يقول...

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

حياك الله اخي

سلمت يداك اخي فعلا كتابات رائعه و الله اعجز عن

التعبير لا يسعني الا ان اقول الله يوفقك

واصل اخي الله معك

Oum tasnim

د / ماسنجر يقول...

* غير معرف ..

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
أشكر لك ثنائك حياك الله ومرحباً بك في كل وقت ..

إرسال تعليق

شكراً لك على الإطلاع ، بانتظار تعليقك على ما قرأت !
إذا أردت إضافة " لقبك " في التعليق .. إضغط على التعليق بإسم : ثم URL الإسم/العنوان ، إختر لقبك وأترك خانة العنوان فارغة ..
( بعدما تقوم بكتابة التعليق أنقر على " كتابة تعليق " ليتم إرساله )