الدرس الأول | الكتابة ..

.
.

لماذا نكتب ؟

نكتب .. لكي نصلح الفاسِد ونثبت الصالح ونقوي المستقيم ونبين الرديء ، وما كان خطئاً نصححهُ وما كان صحيحاً نشجعه ، وعلى هذا فسِر .
لم تكن الكتابة إلا هدفاً عظيماً سامياً لمن اجتهد بها وجعل مرامه فيها قول الله تعالى : ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ) ، يُصلح بيده من أوامرِ عقله ، ويُنشئ أساسياته على هذا المعنى الرفيع وهو الإصلاح متوكلاً على اللهِ ليترك خلفه محتويات ذات قيمة وثمن ، يجري أجر من قرأها وتمعن بها واستفاد منها إلى ما بعد الممات .

أثر الكتابة :

تأثرت بعض العقول بكتاباتٍ يحمل مؤلفيها فكراً ساقطاً مذموماً يمجّده المُنكَر ويصفق له الشيطان ويكرهه العاقل ويمقته المؤمن ويحزن لصحبتهِ القلم ، حتى جنَحَت عن صوابها وفقدت جادّتها وانقلبت حياتها ، مالت إلى أحرفٍ خُطت على ورقاتٍ تحت مسمى الأدب ، واستحالت إلى مناظرٍ متحركةٍ حتى أصبح التأثير مرتين : تأثيرُ الكتابةِ وتأثيرُ المشهد .
وهناك أقلام حمَل أصحابها أوجاع الأمة على ورقاتِهم ، حتى عشَت أبصارهم ووهَنت أجسادهم ، نتيجة سهرهم لتأليفِ كتابٍ يُصلحنا لا يُفسدنا وقصيدة تذكرنا لا تُنسينا وقصة تزيد من معرفتِنا لهذهِ الحياة ، تركوا أثرهم حتى سار عليه الآخرين من الأدباءِ والشعراءِ والكتّابِ ممتطينَ صهوة حصانهم الذي قادهم وحملهم إلى العُلا والذكر الطيّب والأجر الدائم .
فالكتابة لا تقف على كاتبها أنه يمتلك الأسلوب البديع والتصور الخيالي فقط بل يجب أن يكون النص بجمالهِ وسلاسة معانيهِ يحمل رؤية سليمة وهدف عظيم .

كيف تكتب ؟

بعد أن تجعل الإصلاح نقطة وصولك .. تمعن النظر بما تريد أن تكتب عنه واضعاً تلك النقطتين أمام عينيك قبل الكتابة :

- تحديد الموضوع .
- تدوين عناصر الموضوع .

ثم تطلق لقلمك العنان سائرا على تلك العناصر ، وتختصر الحديث إن كان يتطلب الاختصار ، وتزيد من محتواه إن كان الموضوع يحتاج إلى ذلك ، محاولاً تجنب الحشو في الحَديث " الكلام الزائد عن الحاجة " ثم الآيات القرآنية إن تطلب ذلك أو اقتباسات من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أو صحابته أو من كلامِ السلف أو شيء من كتاباتِ الأدباءِ أو المثقفين أو تدرج القصص إن كانت ، أو أبيات الشعر ونحوها ، ثم تنتبه إلى الآتي :

- تأجيل التفكير في إعادة صيغة جملة معينة حتى تنتهي .
- تأجيل التعديل أو التدقيق حتى تنتهي .

وعندما تضع النقطة الأخيرة بعد آخر كلمة تعود إلى أول الموضوع ، وتنظر إلى عنوانه إن كان مناسباً وركز على المحتوى والإملاء وهو ضروري والأسطر أن تكون متلائمة مع بعضها البعض في بدايتها ونهايتها أو الانتقال من سطرٍ إلى آخر .

الأسلوب :

وهذا هو المهم بعد أن تلمّ بالنقاط الأساسية لكتابةِ الموضوع ، الأسلوب هو السحر الذي يجذب العين ، وهو العلاج لطرح المشكلات الاجتماعية وحلها مثلاً ؛ لأنه يأخذ فكر القارئ من مكانهِ إلى تلك الأحرف ، الأسلوب السَلس البسيط الخالي من التعقيدات هو الذي يستقر في العقولِ ، وتكسبه القلوب .
لكل كاتب أسلوب خاص به ، ولا يعني هذا أن جميع الكتاب على هذه الكرة الأرضية يمتلكون أسلوباً قوياً جذاباً لا .. فهذا مثلاً يتمتع بقلة كتاباته وهذا بكثرتها مع قوة الثقافة والأمثلة والتنقل والمرادفات وهذا بسهولة معانيه وهذا بأسلوبٍ ساخر وهكذا ، وما أقصده هو أن تنفرد وقت كتاباتك بطريقة تنثر بها الكلمات وتختار المرادفات التي تجري مع مجرى المحتوى ، وألا تبتعد عن هدفك أو أن تكثر شيئاً غير شيء أو تضيف نقاطاً وتنسى أخرى .

الفكرة :

والفكرة هي التي تزيّن الأحرف وتزخرفها عندما تكون جديدة أو نادرة جداً ، كأن تضيف مع كتابتك أشياء مرتبطة مثل : المقاطع الصوتية والصور ، أو أن تنوع بطريقة الكتابة مع أن هدفك واحد .. مثلاً من يريد أن يكتب عن الدعوة إلى الله تجده في موضوعٍ له أتى بداعية وحاوره أو تائباً وتبادل معه الحَديث وهكذا .
والفكرة ليست مقيدة بل هي مُطلَقة ، لا تقف على محتوى دون محتوى ، ولا فرع من فروعِ الكتابة دون آخر .

تطوير الكتابة :

تكثيف القراءة والاطلاع بالكتب الثقافية والعلمية أو بالكتب التي يتطلبها نوع الكتابة ككتب الأدب لتنمية الثقافية الأدبية ومهاراتها أو كتب الشعر للاستزادة في معانيه وتصوراته وخياله أو المحتويات التاريخية والدينية وهكذا .
ولا تكون هناك مَلَكة في الكتابة إذا ما طوّر الكاتب من نفسه وزاد من مرادفاته وأكثر من زيارة المكتبات .. حتى يتجدد أسلوبه وتكثر معرفته وتنمو موهبته وتتنوع طريقته ، وإن لم يثقّف نفسه في هذا الشأن سيأتي اليوم الذي يتوقف به ويجد أنه غير قادر على الكتابة أو يحاول ولا يستطيع .

أشياء أخرى :

- قد يخطر في بالك عنوان لموضوع قم بتدوينه في ورقة خارجية أو في ملاحظة على هاتفك .
- أو يخطر لك الحديث عن قضية معينة وضرورية .. دوّنها أيضاً .
- بعد أن يمضي على مواضيعك فترة من الزمن حاول أن تعيد القراءة في بعضها وتستخرج الأخطاء التي وقعت بها آن ذاك حتى لا تقع بها مرة أخرى ؛ لأن الكاتب ومع تطوير نفسه وثقافته يجد أن كتاباته الابتدائية لا تخلو من الزلة .
- اجعل هدفك بعد الكتابة : أنه لو لم يقرأ موضوعك إلا قارئاً واحداً فقط لكفى .. المهم أن يستفيد .
- لا تجعل الأخطاء الإملائية تعرقل طريقك في الكتابة وتجعلك تتراجع .. بل ابحث عن الزيادة في معلوماتها وتجاوز الوقوع بأخطائها .

هذا ما جادت به نفسي أيها الطلاب ، إن كان هناك من زلل أو غفلة عن أمرٍ مهم أو نسيان نقاط أخرى فعليكم تذكيري ، متمنياً أن يحوز هذا الدرس على استحسانكم .
بانتظار المداخلات ..

( لا أحلّل من ينقل هذا الدرس أو ينسخه.. إلا بذكر المصدَر )

د / ماسنجر